مقالات // كل المقالات // استخلاصات البحث الأخير للقوس

استخلاصات البحث الأخير للقوس

هنا الاستخلاصات النهائيّة لبحث تفاعل عائلات فلسطينيّة مع عيش أولادها تجارب جنسيّة وجندريّة مختلفة. للبحث كاملًا اضغظوا هنا.

سيرورات داخليّة وخارجيّة: أنماط تفاعل أشخاص يعيشون تجارب جنسيّة وجندريّة مع تجاربهنّ/م

يمرّ الأشخاص الذين يعيشون توجّهات جنسيّة وجندريّة مختلفة (الذين شاركوا في البحث) بمحطّ ات مختلفة بعد لقاء أو مصادفة الاختلاف في تجاربهنّ/م الجنسيّة والجندريّة، تتمثّل في الإنكار والإدراك والتصالح. تأتي هذه المحطّ ات على نحوٍ متداخلٍ لا خطّ يٍّ، فيكون الانتقال من محطّ ة إلى أخرى متذبذبًا وثنائيّ الاتّجاه، بل دائريًّا في بعض الأحيان، وتعيد تشكيلَه ومَوْضَعَتَه أحداثٌ ومواقفُ على نحوٍ دائم.

شكّل مسار مشاركة العائلة للتجربة الجنسيّة والجندريّة للأشخاص الذين شاركوا في البحث، شكّل قضيّةً مفصليّة ومهمّة في حياتهنّ/م، وحدّدت علاقتَهنّ/م بالعائلة وأنماطَ التواصل معها في السنوات التي تلتها. كانت التجربة الجنسيّة والجندريّة للأولاد بمثابة "سرّ" أو "عبء" كان من المهمّ لهنّ/م مشاركته مع العائلة.

عكست تجربة الأشخاص مع عائلاتهنّ/م العنف المجتمعيّ الأكبر الذي يواجهونه، إذ كانت غالبيّة تجارب الأشخاص المشاركين/ات في البحث مع عائلاتهم/ن عنيفة. برز هذا العنف بشكل كبير من خلال غياب مقوَّمَيِ الاحتواء والاحتضان اللذين شكّلا عاملَيْن مركزيَّيْن في العلاقة مع العائلة، عزّزت الشعور بالوحدة أو أطالت حالة الإنكار والتشوّش الحاصل للأولاد.

أنماط التفاعل لدى الأمّهات وتأثيرها على تجربتهم/نّ

يتماثل مسار معرفة الأمّهات اللواتي شاركن في البحث عن تجارب الأولاد الجنسيّة والجندريّة المختلفة مع مراحل ومسار التعامل العاطفيّ مع الفقدان، وفي الإمكان قراءة تعامل الأمّهات مع تجارب الأولاد من وجهة نظر الفقدان، لا لكون هذه التجارب بحدّ ذاتها ناقصة أو مفقِدة، بل لأنّها لا تحقّق توقّعات الأمّهات وأمنياتهنّ الـمَصوغة اجتماعيًّا. يتمثّل مسار الفقدان بالإنكار والغضب والمساومة والاكتئاب وأخيرًا التقبّل، ولا يكون الوصول إلى المرحلة الأخيرة (التقبّل) بشكل مطلق أو بلحظة واضحة، بل يقع على طيف من التقبّل والرفض تتحرّك فيه مواقف الأمّهات وتعاملهنّ.

مرّت الأمّهات اللواتي شاركن في البحث بمسارات موازية لمسارات أولادهنّ بالتعامل مع تجاربهم/نّ الجنسيّة والجندريّة المختلفة؛ أي إنّ مرور الأولاد بمحطّ ات مختلفة رافقه مرور الأمّهات بمحطّ ات موازية أثّرت على تعاملهنّ مع هذه التجربة. كذلك كان ثمّة مركزيّة للعنف المجتمعيّ في التأثير على تعامل الأمّهات – سواء أكان ذاك بتعزيز هذا العنف أو بفرض سيطرة أو "حماية" على الأولاد.

تأخذ تجربة فقدان الأمّهات اللواتي شاركن في البحث في سياق القهر طبقة إضافيّة تزيد التعاملَ مع تجارب الأولاد الجنسيّة والجندريّة صعوبة؛ وذلك نتيجة للبنْية المجتمعيّة الجامدة وليدة القهر وانعدام مشاعر الأمن وطغيان مشاعر الدونيّة. تؤدّي حالة القهر التي تمنع المجتمعات من تطوّرها ونموّها إلى حالة من العجز وفرط الانفعال، وهو ما يؤدّي إلى إفراز أنماط جامدة من التفكير، كقصور الفكر الجدليّ والإفشال الذاتيّ وعدم القدرة على التفكير المجرّد، وذاك يجعل من تقبّل هذا "الفقدان" والتعامل معه أمرًا أصعب.

أنماط التفاعل التي ظهرت في العائلة الفلسطينيّة

يرتبط تفاعل العائلات التي شاركت في البحث مع عيش ولدها لتجربة جنسيّة أو جندريّة مختلفة، يرتبط بتعاملها مع أحداث ضاغطة بشكلٍ عامّ، وذلك بتأثير وجود الموارد الأسريّة المتوافرة أو المطوّرة لدى العائلة لحلّ المشاكل أو للمواجهة الأحداث الضاغطة، بالإضافة إلى المعاني التي تعطيها الأُسرة للحدث الضاغط، ومراكمة أحداث ضاغطة مختلفة. كذلك تؤثّر مقوِّمات الصحّة النفسيّة على تعامل العائلة، وهي: التماسك العاطفيّ؛ توفير الدعم والمساندة بين أفراد العائلة؛ وضوح دَوْر الأفراد وقدرتهم على الأداء ودور العائلة في التغلّب على التحدّيات؛ علاقة العائلة بالمجتمع ومدى قبولها ومشاركتها فيه؛ التطوّر والنموّ في موارد ومؤهّلات العائلة.

تسعى العائلات التي شاركت في البحث، عند إعلان أو مواجهة المجتمع بشأن عيش أولادها لتجربة جنسيّة وجندريّة مختلفة، إلى ترتيب أوراقها واسترجاع توازنها وتقليل النشاز الحاصل بين تقبّل الأولاد وتجربتهنّ/م ومعارضة المجتمع ومواجهته. لتقليل هذا النشاز قدر الإمكان، تلجأ العائلات إلى إستراتيجيّات مختلفة في التعامل مع أولادها، كخلق ثنائيّات في التعامل مع هذه التجارب مثلًا (من قبيل: "داخل المنزل خارج المنزل"؛ "داخل البلد خارج البلد")، أو من خلال تبريرات مجتمعيّة تسبغ على اختلاف الأولاد شرعيّة (نحو: طبيعة الشخصيّة؛ توجُّه الأولاد المهنيّ والتعليميّ).

تجربة الأولاد الجنسيّة والجندريّة المختلفة ليست أمرًا شخصيًّا أو فرديًّا، بل هي أمر يتعلّق بالعائلة أجمع. فالإفصاح والمشاركة مع المجتمع الأوسع هما أمر في يد العائلة، وهي في المعتاد التي تأخذ القرار بشأنه. وهذا انعكاس لدور العائلة وعلاقتها في المجتمع، وكونها الوسيط الأساسيّ الذي ينقل الرسائل المجتمعيّة للأولاد.

توصيات وضرورات للعمل

تقوم الإنتاجات الإعلاميّة والمعرفيّة بدور كبير في تشكيل المعرفة والآراء حول قضايا التعدّديّة الجنسيّة والجندريّة لسدّ الفجوة بشأن الوعي والمعرفة في هذه القضايا، وبالتالي من المهمّ الاستمرار في إنتاج هذه المعرفة والموادّ وإتاحتها بصورة شعبيّة وسلسة.

من الواضح وجود نقص في الإنتاج البحثيّ الأكاديميّ بشأن قضايا التعدّديّة الجنسيّة والجندريّة في المجتمع الفلسطينيّ، وبالتالي من المهمّ سدّ هذه الفجوة من خلال المزيد من الأبحاث التي تتناول هذه القضايا في سياق القهر الذي نعيش فيه.

برزت في البحث أهمّيّة ومركزيّة لتوفير مساحات للأشخاص الذين يعيشون توجُّهات جنسيّة وجندريّة مختلفة لسرد قصصهنّ/م، لِما فيها من تواصل مع قصص وتجارب الآخرين؛ وهو ما يخلق إطارًا جمعيًّا لفهم هذه التجارب وتأطيرها والانطلاق منها نحو التغيير السياسيّ والمجتمعيّ.

أظهر البحث ضرورة بداية العمل على خلق مساحات آمنة تتيح للعائلات إمكانيّة التشارك والتحاور، ابتغاءَ تطوير واختيار أنماط مواجهة تتحرّر من القوالب المألوفة، وذلك في سبيل ضمان سلامة العائلة والأفراد وخلق علاقات سليمة مع المجتمع المحيط.

photo