تصاعد منذ البارحة نشر صور وفيديوهات لأشخاص تمّ الادّعاء أنهنّ/م مشاركات/ين في المظاهرات الأخيرة المناهضة للسلطة الفلسطينيّة من قبل أشخاص في السلطة وأجهزتها أو صفحات من الواضح أنه تمّ إنشائها مخصصًا لهذا الغرض، استكمالًا للقمع في الشوارع من شتم وضرب وإشهار أسلحة يسعى نشر المواد إلى كشف جوانب شخصيّة من حياة المتظاهرات/ين وتعوّل على كون هذه الجوانب الشخصيّة قد تكون غير مقبولة لشرائح واسعة من المجتمع الفلسطيني.
على الرغم من نجاح الناشطات بحذف هذه المواد بسرعة، ومع الوعي التام لكون معظم الصور والمواد التي تمّ نشرها ليست حقيقيّة أو لمتظاهرات/ين فعلًا، إلّا أنّ هذه الخطوة تشكّل تصعيدًا جديدًا من عنف السلطة الفلسطينيّة ومحاولة ذكوريّة ومتوقّعة لردع الشارع والجماهير.
على الرغم من فجاجة العنف ومستوى الدناءة في فعل السلطة الفلسطينيّة هذا، إلّا أنه للأسف غير مفاجئ أبدًا ويعود بنا إلى أوقات عدّة استهلكت فيها السلطة هذه التكتيكات مرارًا وتكرارًا وباتت مألوفة بشكل كبير لفئات مختلفة من المجتمع الفلسطيني حتّى صارت اليوم أقلّ جدوى وفاعليّة لها. كما أنّها معروفة ومتوقّعة من النشطاء والمناضلات على الأرض وفي الشارع، وبالتالي راكمنا معرفة لكيفيّة التعامل معه ومواجهته.
تتصاعد هذه التكتيكات بشكل كبير في الأوقات التي تجد السلطة نفسها في مأزق أمام المجتمع وتخسر الكثير من الشرعيّة، وهو في أوجه هذه الفترة. من الواضح للسلطة الفلسطينيّة أنها تملك كرتًا فعالًا لضمان الشرعيّة والبقاء ما دفعها وسيدفعها للاعتماد على قيم وممارسات عنيفة وذكوريّة واستخدامها ككرت إنقاذ وحيد مع المجتمع، وهو السلاح الذي أشهرته منذ البارحة. وهو الأمر المألوف من أنظمة قامعة وديكتاتوريّة أخرى في المنطقة والعالم.
تعزيز العنف والقمع مثل العنف الجندري الذي شهدناه منذ البارحة هو جوهر أساسي في وجود السلطة الفلسطينيّة وكل سلطة ذكورية قامعة، وبالتالي ستسخّر أي أدوات في سبيل بقائها وحماية نفسها ومؤسساتها ومصالحها السياسية والرأسمالية. ولنا في مؤسسة القوس خير تجربة للدلال على ذلك، بالهجوم على المؤسسة أو استخدامنا كأشخاص ترانس ومثليين لكسب شرعية مجتمعيّة وتأييد شعبي خاصّة في أوقات يتصاعد الحنق الشعبي تجاهها مثل أي نقاش يتعلّق بالانقسام أو الفساد الإداري أو التواطؤ مع الاستعمار أو غيره.
تسعى السلطة بأفعال التشهير منذ البارحة إلى هدفين: الأوّل هو ردع وتخويف فئات اجتماعيّة بالدرجة الأولى النساء من النزول إلى الشارع والاستمرار في الاحتجاج، والثاني هو التشتيت والإلهاء عن الحدث الرئيسي والمطلب الشعبي المتزايد بمواجهة السلطة ومحاسبتها.
لا بدّ من القول أن السلطة نجحت في خلق حالة ما من الخوف بين ناشطات وناشطين بأفعالها من البارحة، بل وعرّضت حياة فلسطينيّات للخطر. هذا الخوف شرعيّ وطبيعي عند مواجهة سلطة قامعة كهذه، إلّا أنّه في المقابل من المهم القول بصوت عالٍ أن هذا الخوف لن يثني الجموع الشعبيّة وتحديدًا النساء والترانس والمثليين وكلّ من يتحدّى الأدوار والمعايير الجندريّة والذكوريّة عن مواجهة القمع والاستمرار في زعزعة أساسات االسلطة حتّى تنهار.
قد تؤدّي هذه التكتيكات إلى انقسامات داخل الحراك المناهض للسلطة نفسه، ما بين مجموعات محافظة اجتماعيًا ستسعى لتبرير أنفسها ونفي ادّعاءات السلطة حول "الأسئلة الاخلاقيّة" للمتظاهرات/ين وإسكات الأصوات النسويّة وغير المنصاعة للمعايير المجتمعيّة الذكوريّة. ومجموعات أخرى نضمّ صوتنا في القوس لها ونقول أنّ هذه المحاولات لا شرعيّة لها من الأساس وأننا لن نساوم على حياتنا وخياراتنا انصياعًا لسلطة القمع والذكوريّة، وعلينا أن نعي أن عدمّ توحيد الصفّ والخطاب ضدّ هذه المحاولات والعودة لخطاب الأولويّات والمساومة المجتمعيّة سيشكّل مسمارًا في نعش الحراك.
سنحمي بعضنا البعض ونوفّر الدعم لأنفسنا بعيدًا عن مؤسسات السلطة والمباني الأبويّة والذكوريّة القامعة. وسنستمرّ في فعلنا الثوري، والذي إن لم نجني ثماره الآن سنجنيها على المدى البعيد، فمقاومتنا جدوى مستمرّة.