مقالات // كل المقالات // الإقصاء والتحريض حول لقاء للقوس في مدينة القدس

الإقصاء والتحريض حول لقاء للقوس في مدينة القدس

عقدت مؤسسة القوس في الخامس والعشرين من الشهر الماضي في مركز يبوس الثقافي ملتقى فكري وثقافي مفتوح بعنوان "ملتقى هوامش"، شارك فيه باحثين ونشطاء مقدسيين بهدف التفكير والنقاش في قضايا التعدديّة الجنسيّة والجندريّة في ظلّ الواقع السياسي والاجتماعي في القدس

أحدث اللقاء بعد أيّام من عقده صدى واسعًا في مدينة القدس وغيرها، وأخذ النقاش حوله منحى حادّ وصل في الأيّام الأخيرة حدّ التحريض والتشويه بحقّ اللقاء والمشاركين فيه ومكان عقده. وعليه نوضّح في القوس الأمور التالية:

ملتقى هوامش الأخير في القدس هو ليس أوّل حدث لمؤسسة القوس في المدينة وليس وليد اللحظة. نحن موجودون في مدينة القدس منذ سنوات ونفتخر بوجود قاعدة واسعة من النشطاء الذين يقودون النضال السياسي والاجتماعي حول قضايا التعدديّة الجنسيّة والجندريّة فيها، وشبكة من الحلفاء والأصدقاء من مؤسسات ومجموعات تتراوح شراكاتنا معهم من توفير مساحات وحتّى عقد مشاريع مهنيّة مشتركة.

ليس من الغريب لنا من تجربة طويلة في العمل مع مؤسسات المجتمع المدني، أن العمل المشترك مع القوس أو حتّى توفير المساحة لها ولنشطائها يضع أصدقائنا والجهات الشريكة في دوائر العنف والتحريض، وهو بدوره ما يعزز دائرة العنف والإقصاء للقوس ونشطائها، ويقود في الكثير من الأحيان إلى إعادة إنتاج العنف والإقصاء والتجاوز من المؤسسات الشريكة تجاه القوس. وهذا بجلّه في جوهره عنف جندري وأبوي تجاهنا كمثليين وعابرين جندريًا.

من أهمّ أهداف مؤسسة القوس والغاية من وجودها هو فتح نقاش مجتمعي واسع حول قضايا التعدديّة الجنسيّة والجندريّة، ينخرط فيه فئات مختلفة من مجتمعنا الفلسطيني المتنوّع، إلّا أنه من المهمّ أن يقف النقاش على أسس الاحترام والاحتواء، وليس الإلغاء والإقصاء والهجوم الذي يسهم في تفتيت النسيج الاجتماعي الفلسطيني.

نحن بنات وأبناء هذا المجتمع ونعرف عزّ المعرفة تركيبته ومكوّناته، ونقدّر ما فيه من تنوّع فكري وأيديولوجي. تعاملنا ونتعامل في القوس مع مواقف وآراء عدّة ومتراوحة حول موضوع المثليّة الجنسيّة والهويّة الجندريّة، ونهدف لتغيير المفاهيم والأفكار حولها؛ إلا أنّ ذلك لا يتأتّى في وسط زوبعات عنيفة وإقصائيّة لا يمكن أن تخدم أي فكرة أو عقيدة.

ومن هنا نؤكّد على وجود وأحقيّة القوس ونشطائها من المثليين والعابرين جندريًا في الحيّز العام والمساحات السياسيّة والاجتماعيّة المختلفة في القدس وفي كلّ فلسطين، وأنّ أي نقاش أو حوار مجتمعي يكون بعد الانطلاق من هذه النقطة. وندعو شعبنا وشرائح مجتمعنا كافّة للتعرّف علينا وعلى عملنا وفكرنا السياسي عن قرب، والانفتاح لحوارات صحيّة وبنّاءة.

شهدنا على مدار الأيّام الأخيرة في الخطابات المحرّضة والمهاجمة تجاه القوس خطابات ديماغوجيّة وشعبويّة تستخدم كروت "التمويل الأجنبي والأجندات الخارجيّة" المهترئة وتلقي الاتّهامات بالعمالة والاندساس، وغيرها من المقولات التي لا تستند على أيّ أساس من المعرفة والمصداقيّة.

مؤسسة القوس معروفة في توجّهاتها السياسيّة المناهضة للاستعمار والتطبيع، وقيمها التحرريّة من السلطات القمعيّة؛ ولن ننجرّ لدفعنا ل "إثبات وطنيّتنا" أو الردّ على اتّهامات وأوهام باطلة هدفها فقط حرف النقاش عن الموضوع الأساسي والجوهري ألا وهو تعامل مجتمعنا الفلسطيني مع قضايا التعدديّة الجنسيّة والجندريّة.

من غير المقبول بأيّ شكل تخوين وشيطنة القوس ونشطائها لمجرّد عملها في قضايا التعدديّة الجنسيّة والجندريّة، والنبرة التشكيكيّة والتنصليّة التي لاقيناها أيضًا من قوى وطنيّة ويساريّة وضعت القوس مرّة أخرى موضع تشكيك ككبش فداء يلقى كلّ سكاكين العنف المجتمعي.

من المفارقة أن هذه الهجمة تأتي بعد لقاء حول عزلة مدينة القدس نتيجة السياسات الاستعماريّة الممنهجة فيها، وواقع المدينة السياسي والاجتماعي الذي يصعّب خلق مساحات عمل سياسي ونقاش اجتماعي. كما أنّه من المؤسف أن الهجمة تأتي بعد أشهر من هبّتنا الفلسطينيّة التي انطلقت شرارتها من عاصمتنا القدس، وأعادت لشعبنا بعضًا من الأمل وشعورًا بالانتماء والوحدة الذين نتطلّع للتمسّك بهم بعد أن شاركنا كشعب واحد في محطّ ة هامّة لتحررنا من الاستعمار، ومن الموجع أن نعيش الإقصاء والتحريض من أهلنا وشعبنا اليوم.

ندرك جيّدًا في القوس أن هذه الأحداث هي للأسف جزء يرافق عملنا، وأن تعرضنا للتهديد والتحريض الناتجين عنها هو جزء من الأثمان التي ندفعها كنشطاء في القوس وأشخاص نعيش تجارب جنسيّة وجندريّة بشكلٍ عام. لذلك نسعى دائمًا للتخفيف من أضرارها وإعادة النقاشات المجتمعيّة لنهج سليم ومسار بنّاء. هذه الأحداث، لم ولن تكون يومًا سببًا لتراجعنا أو توقّف عملنا سواء في القدس أو غيرها من الأماكن.

سنبقى بكلّ تنوّعنا وكلّ تجاربنا جزءًا من المجتمع الفلسطيني والمقدسي، وندعو جميع بنات وأبناء شعبنا تحمل المسؤوليّة بمواجهة العنف والتصدّي له علنًا وبكلّ وضوح، وأخذ خطوة تجاه التعرّف على القوس وأهدافها وعملها وفكرها السياسي عن قرب أكثر. نحن متاحون على كافّة مواقع التواصل الاجتماعي ولدينا قنوات تواصل شفافة ومفتوحة، ولدينا حضورنا المعروف والمعتبر ضمن مؤسسات المجتمع المدني، وفي المساحات السياسيّة والأهليّة المختلفة.

photo