في توقيت مريب ومشبوه نشرت هيئة تحرير موقع متراس البارحة مقال موقف بعنوان "في زمن الترويج للمثلية: كلام يجب قوله". نحن، كما الكثيرون ممن عبروا عن غضبهم وصدمتهم واستيائهم التي أثارها هذا المقال، ننظر إليه على أنه يتنافى كلياً مع فكرة الحوار والمحاججة الشرعية التي يحاول الكتّاب بخبث إضفاءها على مقالتهم، وعلى أنه موقف عنيف وخطير لما فيه من تشويه للحقيقة وتخوين وتحريض وعدوانية وركوب مخزِ لموجة العنف الشعبوية تجاه الحراك الكويري التحرري.
نكتب هذا الرد مُسجّلين موقفًا رافضًا لتواطؤ متراس ونفاقه وجبنه، والّتي تمثّل بالنسبة لنا أكبر درجات الانحدار الأخلاقي والتراجع القِيَمي والفكري اللذين نشهدهما في السنوات الأخيرة في مشهدنا الاجتماعي والسياسي والإعلامي، خصوصا بعد سنوات من العمل المشترك والعلاقات المهنية والشخصية بين موقع متراس وطاقمه وبين مؤسسة القوس وطاقمها.
لا تختلف مقالة متراس هذه عن أي مادة عنيفة وتحريضية أخرى تم توجيهها ضد القوس وكل من يعيش توجهات جنسية وجندرية مختلفة في الفترة الأخيرة، سوى الشكوك التي يثيرها موعد نشرها في موقع طالما نظر اليه الكثيرون على أنه متراساً حقيقيا وتحررياً، وسوى تكثيف وتكرير بلغة "رشيقة" لاستراتيجيات وخطابات شعبوية وجبانة طالما تم استعمالها من قبل سلطات قمعية سواء في فلسطين وخارجها بهدف خلق الهلع المجتمعي من المثليين والكويرز كطريق لتعزيز مكانتها وسلطتها. الاستعمال الخبيث لمصطلحات "الفطرة"، "السرير" ،"قصف الأطفال" وتكرير الحجج الدينية والقيم الأسرية التي تدغدغ المشاعر العميقة الراسخة مجتمعياً ما هي إلا محاولة لتحريض خطير وشيطنة للمثلية والتجارب الجنسية والجندرية المختلفة والتي عمل القوس على محاربتها على مدار عقدين.
لا تختلف استراتيجية متراس عمّا تفعله السلطات القمعية والأحزاب الانتهازية التي ذكرت في المقالة نفسها، تماما كما استعمل منصور عباس وغيره من أعضاء في الكنيست الإسرائيلي القضيّة "المثلية" لحشد الجماهير واكتساب شرعية الاشتراك في الحكومة، وتماماً كما تفعل السلطة الفلسطينية من ملاحقة المثليين لتصوّر نفسها كحامية للقيم المجتمعية و لتغطي بذلك على قمعها للمجتمع ذاته قامت هيئة تحرير متراس بنشر هذه المقالة من أجل تعزيز وإثبات هوية الموقع الجديدة ورؤيتها التي تعتمد قيماً دينية بشكل حصري. يحق لمتراس، لهيئة التحرير والأفراد العاملين به أن يغيروا توجهاتهم السياسية ولكن لا يحق لهم ولا لأي مؤسسة أخرى أن تفعل ذلك من خلال التسلق على ظهر حراكنا ومؤسساتنا والتحريض ضدنا و اقصائنا ووضعنا تحت الخطر المباشر من أجل تحقيق مصالحها الضيقة أو للتغطية على فشلها في القيام بدورها السياسي المطلوب أو بسبب عدم قدرتها على مواجهة ضغوطات سياسية داخلية أو خارجية.
مقالة متراس هذه هي وصمة عار وخطوة خطيرة تتحمل مسؤوليتها هيئة تحرير موقع متراس، حيث تضمّنت أفكارًا تستحقّ أن تُقابَل بعشرات المقالات والرّدود ولكن الأخطر من هذا أنها جزء من ديناميات أوسع يقودها جزء من المجتمع المدني بشتّى مؤسساته ضد القوس في السنوات الأخيرة. سبقت مقال متراس أحداث عنيفة اخرى منها ما خرج إلى العلن وأخرى لم تصل الى منصات التواصل الاجتماعي فأغلقت بدون محاسبة وقوبلت بالصمت من قبل معظم مؤسساتنا الاجتماعية والسياسية والاعلامية. لا يشكل هذا تنصلاً من المسؤولية القِيمية والسياسية فحسْب، إنما يشارك بشكل فعال ومباشر في إرساء جوّ تحريضيّ ضد مؤسستنا وحراكنا.
أمام هذا "التتويج" لموجات العنف المتتالية لا يمكننا الاستمرار في إخفاء الشمس بالغربال. دعونا نتحمّل جميعاً المسؤولية بمواجهة العنف والتصدّي له بوضوح واتّخاذ خطوات تجاه ضمان تنوّع مشهدنا الفلسطينيّ الغنيّ باختلافاته المشروعة.
تجدر الإشارة إلى أنّنا سنبادر في الأيام القريبة بدعوة لاجتماع لمناقشة ما آلت اليه الامور من تحريض وعنف، والتفكير بخطوات مسؤولة وفاعلة تشكّل حركةً رافضة لمثل هذه المضامين وتصوّب وِجهة تعاملنا مع هذه القضايا بدون تضليل أو مغالطات.