اخبارنا // توظيف الموّروث الثقافي العربي في النشاط المثلي والكويري

توظيف الموّروث الثقافي العربي في النشاط المثلي والكويري

"...فإذا قلن فلانة " ظريفة "عُلم بينهنّ أنها " سحّاقة ". وهن يتعاشقن كما يتعاشق الرجال، بل أشد. وتنفق إحداهن على الأخرى كما ينفق الرجل على عشيقته، بل أكثر أضعافاً مضاعفة حتى يبلغن فيه، على الانفاق، الألوف والمئين. ولقد شاهدتُ امرأة منهن بالمغرب، كان لها مال كثير وعقار واسع، فأنفقت على عشيقتها المال الناضر. فلما فرغ وأكثر الناس عليها من العتب والملامة، سوّغت لها جميع العقار فحصلت على نحو خمسة آلاف دينار "

(نزهة الألباب فيما لا يوجد في كتاب (القرن الـ 12) أحمد التيفاشي)

هذا المقتطف هو واحد من نصوص عربية كلاسيكية كثيرة تم قراءتها في ملتقى "هوامش" والذي هو جزء من سلسلة لقاءات مفتوحة للجمهور تعنى بموضوع التعددية الجنسية وتقوم عليه مجموعة القوس للتعددية الجنسية والجندرية في المجتمع الفلسطيني. هذه النصوص والتي هي غيض من فيض ما كُتب في سياق الجنس والتمثيلات الجنسية تم قراءتها من قبل الحضور لتكون تمهيدا لمناقشة ومحاولة الإجابة على السؤال المركزي للنقاش: هل محاولة توظيف الموّروث الثقافي العربي في النشاط المثلي والكويري هي عبارة عن مراهقة فكريّة ووقوع في فخ التغني بتنوع جنسي مُتخيَّل أم استحضار لا بد منه لجعل النشاط الكويري أكثر نجاعة وارتباطا بالواقع الثقافي العربي؟

عن اللقاء الذي عُقد في الأول من نيسان في مقر القوس في حيفا الذي غص بالحضور- يقول القائمون بأن الحركات المثليّة والكويريّة العربية تنشط في واقع ثقافي يشكّل فيه الإرث الحضاري العربي-الإسلامي ركنا أساسياً في تكوينه. ويمكن القول بأن أحد الأهداف المركزيّة لهذه الحركات هو بناء مجموعات ناشطة لتساهم في العمل على التغيير المجتمعيّ نحو خلق ثقافة تحوي وتحترم توجُّهات جنسيّة وجندريّة متنوّعة. وعادة ما تقترن محاولات التغيير هذه بالتّوتر الاجتماعي القائم على إحساس البنى الاجتماعية التقليدية بضرورة الدفاع عن هويتها ضد "مخرجات الحضارة" ومواجهتها واتخاذ مواقف نمطية ضدّها، على اعتبارها دخيلة أو مفسدة للأخلاق. من هنا جاءت الحاجة إلى طرح السؤال، هل التنوع الجنسي هو بالأمر الدخيل على ثقافتنا العربية؟ ماذا عن خزانات الثقافة العربية الكلاسيكية التي تزدحم بالنتاج الأدبي والفنّي الذي يحمل الكثير من التمثيلات المختلفة للتعدد الجنسي وعلى رأسه المثلية الجنسية؟ ولماذا لا تقوم هذه الحركات بفتح هذه الخزانات كوسيلة لدفع عملية التغيير المجتمعي التي تسعى إليها؟

لغاية اليوم اقتصَرَت مُحاولات توظيف الموروث الثقافي لدى المجموعات المثلية والكويرية العربية على خطوات بسيطة أبرزها استحضار مصادر رمزية لتشكّل أيقونات للهوية المثلية كأبي النواس، والتذكير بأن المثلية ليست بدخيلة إنما كانت حاضرة في الثقافة العربية. لكن لا محاولات جادة للتعمّق في هذا المضمار ومناقشته بعيدا عن الاتجاهين الرئيسيين: الأول، الذي يدافع عن الموروث ويدعو لتمكينه، والثاني الذي يرى بأن ثقافة الموروث قامعة وعلينا الارتكاز على ثقافات أخرى من أجل التغيير!

هذا اللقاء جاء كاستمرار طبيعي للقاءات هوامش السابقة والتي ناقشت موضوعيّ "الخطاب الحقوقي في النشاط المثلي والجنساني المحلي في فلسطين" و "الحركة المثلية والكويرية الفلسطينية في ظل هيمنة التجربة الغربية"، ولقد فتح نقاشاً هاما طالما تردد الناشطون في الخوض فيه لأنه قد يُفهم على انه محاولة لاستبدال التغيير الراديكالي بالتوافقي (بين الموروث والمثلية) أو لحل الإشكالية في تعامل الموروث مع المثلية والتوتر الموجود بين التحول الثقافي والارتكاز على ثقافة الموروث القامعة.

لم يكن مفاجئا اذاً أن النقاش تمحّور حول الفخ المذكور في حين عمل ناشطو القوس على التأكيد بانه ووفقا لرؤية القوس لا يُقصد بالتوظيف تبني خطاب أخلاقي ديني أو "تقبُّلي"، إنما توظيف قد يؤدي إلى نظرة نقدية تفكيكية قد تشمل اللغة نفسها كموروث بدون علاقة بما يحمله النص إلى جانب المخزون الكبير من الأدبيات التي وصلتنا وهي متوفرة لكن قلما أُخرجت من الخزانة التي وُضعت فيها إن جاز التعبير! فبالمقابل طُرحت تساؤلات عديدة: ماذا عن قراءة نقدية للأدبيات الكلاسيكية المتهمة بالغلاميات كالتمثيل الحصري! لماذا لا يتم استنهاض نصوص تحمل ظواهر جنسانية أخرى موجودة؟ ماذا عن الجرأة التأويلية وتفكيك سلطة المادة القديمة؟ ولما لا يتم استحضار القديم في الجديد؟ وماذا عن خلق بدائل تتفق والسياق الحضاري؟ أين التناص في كتاباتنا؟ أين تفكيك ثنائية المذكر والمؤنث في اللغة؟ لما لا نحيي مصطلحات قديمة؟ لما لا ناكّد على تجارب التجديد الديني الإسلامي التي أكدت على الفصل بين الدين والفكر الديني، وعلى التنوع في فهم النص، وبأن المعرفة الدينية هي متغيرة ونسبية وتحتمل التناقض، وبأن الاجتماعي يغلب التفسير الحرفي للنص...؟ وبالأساس لما لا نعمل على تطوير مهارات القراءة، التأمل، النقد واختبار وتقييم الموروث فنعرض المتناقضات فيه لجعله قابلاً للحراك...

تأمل القوس على أن يكون هذا اللقاء فاتحة نحو مشروع ينظر بتمعّن وتفحّص في الموروث الثقافي، واليه كركيزة من ضمن عدة ركائز قد تساهم في بلورة خطاب جنساني جديد يعمل ويتطور من خلال سِياقنا الثقافي والسياسي.

لقاء هوامش الرابع سيعقد يوم الاثنين 12 أيار في مقر القوس في حيفا.

للاستفسار عن التاريخ ومعلومات إضافية عن “هوامش”، بالإمكان التواصل مع القوس على: [email protected] ، أو من خلال صفحة الفيسبوك

**************

عن ملتقى هوامش:

هوامش وهي جمع لهامش، وهو اسم فاعل من هَمَشَ، وهَمَشَ القومُ: تحرَّكوا كما هَمَشَ الشيءَ هَمَشَ ُ هَمْشًا : جَمَعَه, والهامِش: جزء خالٍ من الكتابة حول النص في الكتاب المطبوع أو المخطوط. لذا فنحن نطمح لتجميع القوم في "ملتقى هوامش" لنتحرك معا لنقاش قضايا التعددية الجنسية والجندرية، وتعبئة الجزء الخالي في الخطاب السائد في التنظيم المثلي والكويري المحلي بشكل خاص، والنشاط الجنساني الأوسع بشكل عام، وذلك كمحاولة لخلخلته وتوسيع نطاقه.

كذلك، يُعرّف الهامش بأنه كل ما تُرك جانباً أو أُهمل، لذا فاننا نستعمل "هوامش" لتفكيك ثُنائية الهامش والمركز، ولا نرى هامشاً واحداً يعمل كمساحة ضيقة بعيداً عن نواة المركز، بل "هوامش" هي نتاج تراكمي لحالات تهميش لمواضيع عديدة – ومنها مواضيع الجنسانية – والتي تُمارس على نطاق المركز بأجمله.

الخبر في موقع حبر

photo
الحركات المثليّة والكويريّة العربية تنشط في واقع ثقافي يشكّل فيه الإرث الحضاري العربي-الإسلامي ركنا أساسياً في تكوينه