نشرت "الأجودا" -الجمعيّة الإسرائيليّة للمثليين/ات والبايسكشوال والترانس- الأسبوع الماضي، إعلانًا لإطلاق خطّ دعم تدّعي أنه "الأول من نوعه" لأشخاص فلسطينيّين يعيشون توجّهات جنسيّة وجندريّة مختلفة، وذلك بدعم من شركة "طحينة الأرز" الفلسطينيّة التي وصفتها المؤسسة الإسرائيليّة في الإعلان بأنها " تساعد في خلق بيئة متقبلة ومتسامحة أكثر."
كنّا في القوس بصدد نشر رسالة إلى الشركة الفلسطينيّة يوم أمس بعد تواصل معها، رفضًا لدعمها مؤسسة إسرائيليّة، إلّا أن النقاش أخذ طبقة إضافية بهجوم مجتمعي فلسطيني من فئات عدّة في مجتمعنا طال الشركة، إلا أنه بالدرجة الأولى يهاجمنا نحن كأشخاص نعيش توجهات جنسية وجندرية مختلفة.
وجدنا أنفسنا مرّة أخرى في مواجهة زوبعة عنف متعدد الأوجه، علينا مقارعته بجميع طبقاته وبكلّ ما نملك من قدرات؛ عنف مجتمعي في سياق استعماري وفي زمن هيمنة رأس المال والشركات الخاصّة.
شهدنا هجومًا على الشركة لمجرّد دعمها أشخاص يعيشون توجهات جنسية وجندرية مختلفة من أصحاب محلّات وفئات شعبيّة مختلفة، برز فيها أشخاص انتهازيين وشعبويين تقود حملة التحريض والهجوم هذه ما يكسبها قوّة وسلطة أكبر على حساب حياتنا وتجاربنا كجزء من المجتمع الفلسطيني، وذلك باسم الدين والعادات والتقاليد.
ليس هذا العنف غريبًا علينا في ظلّ السلطة الأبويّة وحكم المؤسسات التربوية والدينيّة والعشائريّة العنيفة، إلّا أنه في كلّ مرّة يعيدنا إلى دائرة من الأسف والغضب والخيبة بدرجة إقصائه وألمه من أبناء شعبنا، لكنّه في الوقت نفسه يزيدنا إصرارًا على المواجهة والاستمرار في العمل على توسيع النقاش حول قضايا التعددية الجنسية والجندرية في مجتمعنا.
لا يقلّ العنف المجتمعي إيذاءً من عنف المؤسسات الاستعماريّة المختلفة من بينها "الأجودا" التي دعمتها شركة طحينة الأرز ومن المهم ألّا يثنينا عن الإشارة إليه ومواجهته بالقدر نفسه. للأجودا تاريخ حافل بالمشاريع الاستعلائيّة والاستشراقيّة، التي ما هي سوى انعكاس للسياسات الاستعماريّة الأكبر للكيان الصهيوني، والتي تسميها المؤسسات الفلسطينية النسوية والكويريّة "سياسات الغسيل الوردي".
لهذه السياسات، بما فيها عمل "الأجودا" والمؤسسات الإسرائيليّة المختلفة، جوهر واحد هو أن الفلسطينيات/ين أدنى درجة وبحاجة إلى إنقاذ وتدخّل الإسرائيلي المستعمِر.
تقوم هذه السياسات بجوهرها على محي الوجود والتجربة الفلسطينية، وهي جوهر الاستعمار الصهيوني بالمجمل، وبذلك مثلًا يتم تخطّ ي عمل القوس التي تخرج من صلب المجتمع الفلسطيني وخطّ الدعم الخاص بها ومحيها. يعمل خطّ الإصغاء والمعلومات منذ عشر سنوات لخدمة فلسطينيات وفلسطينيين بمبدأ دعم الأقران وانطلاقًا من فهم سياقنا وتجربتنا كشعب ومجتمع.
عدا عن كونها كرتًا سياسيًا دبلوماسيًا خارجيًا للاستعمار، وترضي عقليّة الاستعلاء والإنقاذ الاستعماريّة، غدت هذه السياسات التي تقوم على "إنقاذ المثليين الفلسطينيين" مصدرًا لدخل الكثير من المؤسسات الإسرائيليّة مؤخرًا، لما تجذب من تمويل ودعم، مثل دعم شركة طحينة الأرز الفلسطينيّة للأسف.
توجهنا من لحظة انتشار الخبر لشركة طحينة الأرز (قبل موجة الهجوم المجتمعي) وعبّرنا عن رفضنا واستيائنا من خطوة دعمها للأجودا ولم نلقَ تجاوب لاعتقاد الشركة أن ما قامت به كافٍ ولا يحمل نقاش إضافي، غافلة عن الإشكاليّات الكبيرة بالخطوة التي قامت بها، وغير مبالية بالضرر الذي تسببه.
قد يكون من غير المألوف أن تدعم شركات فلسطينيّة خاصّة قضايا التعددية الجنسية والجندرية، وهو أمر قد يُحسب للشركة ويراه الكثيرون كخطوة إيجابية وسبّاقة، إلّا أنّ هذا الدّعم لم يتعدّى المستوى الرمزي وبقي أسير معادلة رأس المال، وليس الاستثمار في نقاش مجتمعي أو دعم حقيقي بنّاء أقلّ ما فيه الالتزام بفحص الجهة المدعومة -بغضّ النظر عن النوايا- وهو ما تجلّى في تجاوبها معنا.
هذا هو عنف المجتمع والاستعمار ورأس المال الذي لا بدّ لنا كأشخاص نسعى للتغيير أن نراه بصورته الأكبر المتقاطعة، وها نحن فلسطينيات/ون نعيش توجهات جنسية وجندرية في مواجهته دومًا لمجتمع أكثر عدلًا وإنصافًا.
أنظري أكثر حول سياسات الغسيل الوردي: https://bit.ly/2OeyoXj
موقع خطّ الإصغاء والمعلومات للقوس: https://alkhat.org