اخبارنا // وجهة نظر القوس للتعددية الجنسية والجندرية في المجتمع الفلسطيني حول الفيلم الوثائقي "اوريينتد"

وجهة نظر القوس للتعددية الجنسية والجندرية في المجتمع الفلسطيني حول الفيلم الوثائقي "اوريينتد"

من الضّروري الإشارة إلى انّنا، كمؤسسة كويرية فلسطينية، نشجّع الكويريّين الفلسطينيين على المشاركة بالقصص والتجارب الشخصية بشتّى الوسائل الّتي يجدونها ملائمة لهم، كما أنّنا نعمل جاهدين على بناء مجتمع يحتفي بتعددية التجارب وتنوعها. ومع ذلك، فإن الخطاب الذي يقدّمه الفيلم الوثائقيّ الأخير عن حياة كويريّين فلسطينيين يُلزِمُنا بالمشاركة بنظرة نقديّة وإعادة صياغة لبعض الفرضيات الخاطئة التي قد يكرّسها الفيلم ويؤدّي إلى ترسيخها في الوعي العامّ.

الفيلم الذي نحن بصدد نقدِهِ هو"أوريينتد" للمخرج ويتزينفلد (2015) الذي يتناول قصّة ثلاثة أصدقاء فلسطينيّين مثليين يعيشون في تل أبيب، والذي تم عرضه مؤخرًا في العديد من مهرجانات الأفلام الدولية وتم الترويج له عبر وسائل إعلام دولية- يروّج لفرضيات خطرة وخاطئة عن الكويريين الفلسطينيين. تجدر الإشارة إلى أنّ هذا البيان المقتضب لا يهدف بتاتًا إلى توجيه النقد لأفراد ما بعينهم، ولا لنمط حياتهم وخياراتهم الشخصية؛ بل يناقشُ البيان التعميماتِ الخَطِرةَ والمفاهيم الخاطئة التي قد يعزّزها الفيلم بغض النظر عن منطلقاتِهِ أو نواياه الّتي لا نناقشها أو نحاكمها.

لعل الخطر الأساس في خطاب هذا الفيلم يكمن في التأطير الذي قد يبدو "محنكًا" والذي يتبناه الفيلم بمحاولة جاهدة لتجنّب تعزيز النمطيّة، وسيناريوهات "الغسيل الورديّ" الّتي تعرض الكويريين الفلسطينيين كضحايا للمجتمع، والإسرائيليين كمنقذين لهم وهكذا. على الرغم من "النوايا الحسنة"، نحن نعتقد بأنّ هذا الفيلم والخطاب الإعلامي الذي يدور حوله يقوم بتكريس وبإعادة انتاج الأخطاء نفسها. حيث يستند هدف الفيلم المتمثل بتقديم "تجارب قصص عن كويريين فلسطينيين أقوياء" على الرّكائز العنصريّة واللاإنسانية ذاتها الّتي تشكّل المحور الأساس وجوهر أفلام "الكويريون المثليون كضحايا".

من المؤسف أن يتم تحديد تجاربنا في هذا المبنى القطبي العنصري (إمّا أن نكون "أقوياء" وإما "ضحايا") والذي يتم تعزيزه من قبل الجمهورَيْن الإسرائيلي والغربي الّلذين يُعتَبَران المستهلكَ الأساسيّ لهذا النوع من الأفلام.

الخطورة الإضافية تكمن في تقديم قصة الفيلم كما لو كانت "عالمية". عبارة الكليشيهات "نحن نمثّل جيلاً كويرياً فلسطينياً جديداً" محزنة في اختزاليتها أكثر من كونها مزعجة. بالرغم من القصص الشخصية التي يقدمها الفيلم، وأثرها، لا يمكن لأي فرد أن يمثّل جيلاً كاملاً وأن تكون تجربته/ا/هم/هن بديلاً للتجارب المتنوّعة للكويريين الفلسطينيين في فلسطين.

الكويريون الفلسطينيون الذين يختارون العيش في تل ابيب هم شريحة ضئيلة من مجتمعنا، لديها تجربة مميزة وخاصة لا تشبه بتاتاً تجارب كويريين من مناطق أخرى في فلسطين سواءً في رام الله، الناصرة، نابلس، أو حتى تجارب فلسطينيين آخرين يعيشون في تل ابيب أو في مناطق ومدن أخرى. إن تسييس هذه التجربة على أنها تجربة جمعيّة وتمثيلية من أجل إنجاح الفيلم أو لكسب مصالح شخصية أخرى يُعتَبَرُ عملًا غير أخلاقيّ وتشويها للواقع المعيش.

وأخيراً، ثمّة تخوّفٌ من أن هذا الفيلم سيقوم بتنصيب تل ابيب كـ"جنة المثليين" بالنسبة للكويريين الفلسطينيين، وهي نظرة تنميطيّة تُظْهِرُ، كَذِبًا، تل أبيب كبلد متسامح ومُرحِّبٍ يسمح للكويريين الفلسطينيين بتحقيق ذاتهم والعيش والازدهار فيه سواء كانوا ضحايا أو نشطاء أقوياء. هذا يساهم بشكل مباشر في تعزيز حملات الغسيل الوردي الدعائية (وربما تقدّمها في حلّتها الجديدة) ويلغي ويهمّش، للأسف، روايات كويرية فلسطينية أخرى.

على عكس الصورة الضيقة التي يعرضها الفيلم، عملنا وأولوياتنا ونجاحاتنا تعود للكثيرين من الكويريين الفلسطينيين الذين يعيشون ويتطورون ويبدعون وينشطون ويقاومون بشكل يومي من أجل حريتهم وبدون أي علاقة بتل ابيب. لذا، نحن ننطلقُ من إيماننا بأنّ التغيير لن يحصل في المدن التي يتم تجميلها بواسطة الغسيل الوردي ولا يمكن أن ينسجم مع خطابات الكليشيهات عن "التغيير" في أفلام وثائقية. التغيير الجوهريّ الذي نسعى اليه ليس ضيّقا أو سطحيًّا بل هو متجذّر في عملنا البطيء، العميق والتراكميّ المتعلّق بالتعدديّة الجنسية والجندرية في مجتمعنا وسياقاتنا.

photo
لعل الخطر الأساس في خطاب هذا الفيلم يكمن في التأطير الذي قد يبدو "محنكًا" والذي يتبناه الفيلم بمحاولة جاهدة لتجنّب تعزيز النمطيّة، وسيناريوهات "الغسيل الورديّ" الّتي تعرض الكويريين الفلسطينيين كضحايا للمجتمع، والإسرائيليين كمنقذين لهم وهكذا