المقالات // القوس: نوفر لذوي التوجهات الجنسية المختلفة مساحة بديلة عن الهروب

القوس: نوفر لذوي التوجهات الجنسية المختلفة مساحة بديلة عن الهروب

نُشرت هذه المادة سابقًا على موقع 24FM. لقراءة المادّة من مصدرها الأصلي انقروا هنا.


قد يكون التفاعل مع صفحة مؤسسة "القوس للتعددية الجنسية والجندرية في المجتمع الفلسطيني" على فيسبوك محدوداً، كما يظهر في غالبية التعليقات أو التفاعلات التي يتركها المتابعون على منشورات الصفحة عموماً. لكنّ الجدل القائم منذ إعلان المؤسسة عن "مخيمها الكويري الأول" الأسبوع الماضي، دعا نسبة أكبر من المستخدمين لزيارة الصفحة، كما يبدو من المنشور الأخير الذي تردّ فيه المؤسسة على بيان الشرطة الفلسطينية، والتي تعهّدت بدورها بمنع إقامة أي نشاط للقوس في الضفة الغربية.

يبدي قسم من المتفاعلين مع الصفحة دعمهم لنشاط المؤسسة في سبيل طرح قضايا تعددية التوجهات الجنسية والجندرية للنقاش المجتمعي في فلسطين، ولكنّ آخرين يبدون استياءهم من ذلك، وقد يتركون تعليقاتهم الساخرة، أو المهاجِمة، أو تلك التي تدعوالسلطات إلى اعتقال ناشطي القوس وملاحقتهم.

وكانت "القوس" دعت إلى المخيم الذي سيوفر مساحة "لشباب وشابات بأعمار 18-24 عام من مثليات/ين، ثنائيي الميول الجنسية، متحولات/ين وأشخاص يعيشون توجهات جنسية وجندرية مختلفة من فلسطين، للالتقاء" واستكشاف جوانب متعددة من جنسانيتهم و"علاقتها مع المجتمع".

ورغم أنّ المؤسسة في إعلانها على موقعها الإلكتروني قالت إنّ موقع المخيم سيحدد لاحقاً، إلا أنّ مستخدمين على فيسبوك ربطوا الفعالية بملتقى آخر أقامته "القوس" في مدينة نابلس في 4 آب/ أغسطس الحالي، في مكان غير معلن، ولم يعرفه إلا الراغبون بالمشاركة فيه.

ونشر المستخدم حسن قمحية على صفحته في فيسبوك صورتين لدعوتي الفعاليتين؛ تلك التي أقيمت من قبل، والمعلن عن إقامتها في نهاية الشهر الجاري، وعلّق:"تفضلو شو رأيكم بهالسفالة يا جماعة؟؟ دعوة لمخيم صيفي في #نابلس للمثلي الجنس....؟؟؟" . وهو ما فتح المجال أمام عشرات التعليقات المهاجمة للمؤسسة ومجتمع المثليين.

لاحقاً أكّدت الشرطة الفلسطينية على أنها ستمنع إقامة أيّ نشاط لما أسمته "تجمع المثليين"، واعتبرته "ضرباً ومساساً في المثل والقيم العليا للمجتمع الفلسطيني.. وهي تصرفات لا تمت للأديان السماوية ولا العادات والتقاليد". ودعا الناطق باسم الشرطة المقدّم لؤي ازريقات المواطنين "للتواصل مع الشرطة والإبلاغ عن أي شخص له علاقة بهذا التجمّع".

وعلى منشور الصفحة الرسمية للناطق باسم الشرطة الفلسطينية كذلك، دعم عشرات المعلّقين ما جاء في البيان، داعين إلى "القضاء على المثليين". وهو ما اعتبرته مؤسسة "القوس" للتعددية الجنسية والجندرية تحريضاً وهجوماً غير مسبوق.

ويقول عمر الخطيب وهو من طاقم "القوس" إنّ المؤسسة تعمل سنوياً مع مئات الأشخاص من مختلف الفئات الاجتماعية وبالتعاون مع مدارس ومؤسسات مجتمع مدني أخرى، وتعلن منذ سنوات عن فعالياتها في الضفة الغربية والقدس والداخل المحتلّ دون التعرّض لهذا الكمّ من العنف والتحريض، فيما لم تكن الفعالية الأخيرة المعلن عنها "أمراً غير مألوف"، على حدّ تعبيره.

الهيئة المستقلة: نفهم سياقنا الثقافي ولكننا نرفض العنف

وفي التعليق على بيان الشرطة الفلسطينية ودعوات الملاحقة، يقول عمار دويك المدير العام للهيئة المستقلة لحقوق الإنسان لـ24FM: "كهيئة حقوقية نفهم السياق الثقافي الذي نعمل فيه جيداً، ولكننا مع ذلك نرفض ممارسة أيّ عنف أو اعتداء أو ملاحقة لأشخاص بسبب ميولهم الجنسية".

ويعتقد دويك أنّ بيان الشرطة جاء كردّة فعل على النقاش الذي جرى على منصات التواصل الاجتماعي محلياً، مضيفاً: "ما دعت إليه القوس ليس نشاطاً لممارسة الجنس، وإنما نقاشاً اجتماعياً قد يكون مهمّاً".

وتعمل القوس منذ عام 2001 في كافة أنحاء فلسطين من رام الله وبيت لحم وحتى القدس وحيفا، وتقول في بيانها الذي جاء رداً على الشرطة، إنّها "تفعّل برامج تربوية ومهنية عن التعددية الجنسية والجندرية مع عشرات مؤسسات المجتمع المدني... وتعمل على مناهضة عنف الاحتلال والعنف المجتمعي" تجاه مجتمع المثليين وذوي التوجهات الجنسية والجندرية المختلفة.

"قضايا تمسّ الجميع"

ويقول الخطيب في حديثه لـ24FMإنّ هدف "القوس" هو توسيع النقاش المجتمعي حول قضايا التعددية الجنسية والجندرية، وتغيير التعاطي معها، ويوضح: "نريد أن يصبح هذا نقاشاً شعبياً.. نؤمن أن هذه قضية مجتمعية تمسّ الجميع، وترتبط بقضايا أخرى"، ويضيف: "نحن جزء من هذا المجتمع، ونعمل من أجله".

وفي حين يعتقد البعض أنّ مؤسسات شبيهة قد تكون مدعومة من منظمات أجنبية لا تراعي الطبيعة الظاهرة للمجتمع الفلسطيني، يرى الخطيب أنّ تجربة المؤسسة ووجودها في فلسطين "يعطي أفقاً وأملاً لحياة كثير من الفلسطينيين الذي يعيشون توجهات جنسية مختلفة، وهم أشخاص يكونون في كثير من الأحيان مستضعفين وهشّين.. وجودنا يعطيهم مساحة آمنة بعيداً عن حلول أخرى قد يلجؤون إليها، كالهروب" معتقدين أنّ إكمالهم حياتهم في فلسطين هو خيار غير متاح.

وفي هذا السياق الذي يأخذ بعداً سياسياً، تعمل مؤسسة "القوس" على مواجهة الفكرة التي تروّج لها دولة الاحتلال، على أنها ملجأ متاح للمثليين الفلسطينيين المضطهدين مجتمعياً، والفارّين إلى تل أبيب؛ المدينة المنفتحة؛ حيث مسيرة الفخر السنوية التي يشارك فيها آلاف المثليين وتجذب اهتماماً عالمياً، وهو ما يسمّيه الناشطون في القوس "الغسيل الوردي" الذي يعمل على "تبييض" صورة دولة الاحتلال أمام العالم.

بينما يؤكد بعض المتابعين استمرارهم في دعم مؤسسة "القوس" تستمرّ ردّات فعل المستخدمين الرافضين للتعامل مع المثلية أو التوجهات الجنسية المختلفة على أنّها أمر طبيعي، فيما يذهب آخرون إلى إنكار انتشارها في المجتمع الفلسطيني أصلاً. وفي غضون ذلك يقول عمر الخطيب من "القوس" إنّ المؤسسة على اتصال مع جهاز الشرطة عن طريق هيئات حقوقية أخرى للتوصل إلى تفاهم ما.

ويضيف: "نحن مؤسسة تضمّ 80 متطوعاً ثابتاً.. هذه مؤسسة كبيرة لديها مجلس إدارة وداعمون ومؤسسات أخرى صديقة" مؤكداً أنّه لا تراجع عن هذه النشاطات.

photo