المقالات // من حنين معيكي: شكر وامتنان لقصّة عشرين عام

من حنين معيكي: شكر وامتنان لقصّة عشرين عام

نشرت هذه المادة سابقاً في تقريرنا السنوي لعام 2020، تجدونه هنا.


من حنين معيكي:

شكر وامتنان لقصّة عشرين عام

أكتب هذه الرسالة أسابيع قليلة بعد إنهائي لدور المديرة التنفيذية للقوس، وحيثما استبدل جسدي الأدرينالين بالتعب، ما زال قلبي مليء بالامتنان العميق لنشطاء القوس وطاقمه وإدارته على الفرص والدروس اللانهائية التي قدموها لي حتى آخر لحظة. كانت القوس المكان الذي تعلمت فيه ما أعرف عن نفسي وعن مجتمعي وعن فلسطين. مهما حاولت، لن استطع إنصاف تجربتي مع القوس والحراك الكويري الفلسطيني، فكيف يختزل المرء عشرين عامًا من الصداقات والنشاط في سطورٍ قليلة؟

لم أطمح في القوس للبحث عن مسار مهني أعبّر فيه عن طموحاتي أو أبني من خلاله مستقبلي. في الحقيقة، لم تكن القوس مشروعًا واضح المعالم وواثق الخطى في عقدها الأول. كانت، أولًا وابدًا، ملتقىً حقيقيًّا بين أشخاص يعيشون توجهات جنسية وجندرية، وتحول الملتقى الى شبكات قاعدية من النشطاء في كل أنحاء فلسطين. كانت حكاياتنا وآلامنا إلهامنا الأساسي للمضيّ في مشوار القوس، وكانت أخطاؤنا حجر أساس في بناء حراكنا. وكانت التحديات والصراعات الخارجية لا نهائية، ولكن الصراع الأساسي كان مواجهة ترسبات القمع داخلنا.

من الصعب أيضا حصر هذه التجربة في حاضرها فقط. باتت القوس مؤسسة ذات رصيد وإرث لا يمكن تجاهله، لكنها مرت، كما الحراك الكويري في فلسطين، في حقبات عديدة خلال العقدين الأخيرين، واشترك في بنائها مئاتٌ من النشطاء اللواتي يناضلنَ حتى هذا اليوم، وآخرون رمى عليهم التاريخ ستارًا ما. هذه فرصتي لتقديم عميق الشكر لكل النشطاء الأوائل ومؤسسي القوس: أنتنّ/م بدايات الحراك، وقصصكنّ/م لا تزال جزءًا لا يتجزء من هذا المشوار، وفي قلبي للأبد.

من الماضي إلى الحاضر، أرسل كثيرًا من الحب للنشطاء الذين كانوا العمود الفقري للقوس في السنوات الأخيرة، إما على خط المواجهة متصدّين لملاحقات شرطة السلطة الفلسطينية والاعتقالات، أوعلى خط الإصغاء والمعلومات يواسون من واجه العنف المجتمعي من أشخاص يعيشون توجهات جنسية وجندرية مختلفة، أو في رقصِنا ودموعنا في صرخة كويرية للحرية مطالبين عائلاتنا وأصدقائنا وزملائنا التصدي معنا لكل العنف المُمارَس علينا. شكرا على شجاعتكنّ/م أولًا، وعلى الثقة في القوس وفي بعضنا البعض للمضي خطوة إضافية نحو التغيير المنشود. الطريق أمامنا طويلة و شاقة، ولكن المسؤوليات الملقاة على عاتقنا اليوم أكبر، فلم نعد مجموعة مهمّشة أو مؤسسة في خطاها الأولى، بل حراكًا مع قوة وتأثير ورصيد.

أما للأصدقاء والحلفاء، شكر من القلب على كل مشورة ونصيحة وإضاءة خلال مشوارنا المشترك. القوس لم تكن لتكتمل من دون هذه النقاشات والحوارات مع مجتمعنا بكل فئاته. نقاشاتنا لم تكن عابرة أو سطحية، وبالتأكيد لم تكن سهلة، وإنما مركّبة ومليئة بالتحديات والمشاعر، وهنا جوهر أهميتها. لطالما كان سعينا لنقاشات حقيقية ومسارات عميقة تعود بالفائدة ليس على القوس أو الأشخاص الكوير فحسب، وإنما علينا جميعًا.

امنياتي الدافئة لطاقم القوس وإدارته في رحتلكم الجديدة. عملنا المشترك والمكثف لم يخلُ من التحديات والمصاعب، ولكني ممتنة على الفرصة النادرة للعمل مع أشخاص جميلين ودؤوبين يعيشون التنظيم في كل تفاصيله ولا يكلّون عن التعلم كما الكدح. تعلمت الكثير منكم وفيَّ حماس لمتابعة نشاطكم القادم نحو قمم جديدة.

ولحنين صادر الصديقة أولًا، والمديرة التنفيذية الجديدة ثانيا، أرجو لك النجاح في المشوار الجديد. صوتك وبصمتك المميزتان كانتا دائمتي الحضور في نشاطك، وشغفك للحراك الكويري الفلسطيني لم يبدأ من اليوم. نيال القوس فيكِ، كما أنك محظوظة أن تعملي مع قيادات من نشطاء وطاقم كرّست حياتها لإنهاء العنف، مجتمعياً كان أم استعمارياً.

photo