لقراءة تقرير القوس السنوي لعام 2020 كاملاً، اضغطوا هنا. وتجدونه بالإنجليزية هنا.
مع نهاية العام الماضي، أنهت المديرة التنفيذيّة السابقة للقوس، حنين معيكي، دورها الذي شغلته على مدار العقدين الماضيين، لتتسلّم حنين صادر الدّور الجديد كمديرة تنفيذيّة للمؤسّسة. أسّست حنين معيكي القوس برفقة نشطاء ورفاق قبل عشرين عامًا، وأدارتها خلال المراحل المختلفة التي مرّت بها، من مبادرة صغيرة إلى مؤسسة رسميّة حتّى غدت القوس هذه الأيّام من أكثر المؤسسات تأثيرًا وحضورًا في الساحة الفلسطينيّة.
لطالما اعتمدت القوس على العمل التشاركي والجمعيّ، واشترك في مسارها وإنجازاتها عشرات النشطاء والأصدقاء والمهنيات/ين في مجالات مختلفة؛ إلا أن هذه الطاقات والجهود جميعها كانت دومًا بحاجة لقدرات قياديّة وإداريّة وتنظيميّة عالية قدّمتها حنين معيكي بسخاء ورجاحة على مدار العقدين الماضيين، حتّى وصلت القوس إلى ما هي عليه اليوم، مكانةً وتآثيرًا.
تستكمل القوس مسارها وتطوّرها بدءًا من هذا العام تحت الإدارة التنفيذيّة للناشطة حنين صادر بعد بحث أجرَتهُ المؤسسة حول شخص مناسب لأخذ هذا الدور. انخرطت حنين صادر في السنوات الخمس الأخيرة في عدّة مشاريع وفرق في القوس أبرزها كناشطة في القيادة القطريّة للقوس (قيادات القوس على مستوى فلسطين بأكملها)، كما شغلت منصب عضو مجلس إدارة في القوس لأربع سنوات، ومدرّبة في فريق التدريبات المهنيّة للقوس الّذي يُِنشئ ويقدّم تدريبات لمؤسسات ومجموعات مختلفة في المجتمع.
ليس هذا التغيير مجرّد تبديل في دور أو وظيفة الإدارة التنفيذيّة في المؤسسة فحسب، بل نراه تغييرًا أكبر في قيادات القوس وجزءًا من سيرورتها وتطوّرها. وصلت القوس في السنوات الأخيرة لمرحلة جديدة من الظهور والتأثير تمّثّلا بآلاف المتابعين ومئات المستفيدين وعشرات النشطاء والمؤسّسات والمجموعات الشريكة؛ وهو ما صبونا إليه بجهد واعٍ لفتح المجال أمام أشخاص جدد للإدارة والتمثيل ولقيادة الشبكات والمجموعات والمشاريع المختلفة.
يشمل هذا التغيير بالتالي تطوير قدرات ومهارات الطاقم المهني للقوس، وتوسيع في مهام ومسؤوليات مجلس الإدارة، وزيادة في دمج وانخراط القيادات القطريّة للقوس وتوسيع القيادات المحليّة والقاعدة الشعبيّة بمختلف مكوّناتها، وهذا ما نعنيه بتغيير أكبر في قيادة القوس لما ينطوي عليه من قرارات ولحظات تأمّل وسيرورات عدّة.
ليست هذه الخطوة اعتباطية أو عشوائية أو نتيجة لأزمة ما، بل هي قرار سياسي واستراتيجي مخطّ ط له، بدأ منذ التخطيط الاستراتيجي عام 2018 والّذي خضنا على إثره مسارًا تنظيميًا لإحداث هذا الانتقال الّذي اشتركت فيه مباني القوس المختلفة؛ حيث خصّصنا على سبيل المثال لقاء للقيادات القطريّة على مدار يومين تناول التغييرات الداخليّة والخارجيّة التي تمرّ بها القوس. كما مرّ الطاقم ومجلس الإدارة في مسارات خاصّة لتحديد الفجوات والأسئلة الناتجة عن هذا التغيير، والإشارة إلى الحاجات اللازمة حول تكثيف عمل مجلس الإدارة في الأشهر الأخيرة، إضافةً إلى تعزيز أدوار الطاقم.
تحدّيات حول تغيير قيادات القوس
يشير هذا التغيير إلى رؤيتنا للقوس كمؤسسة حيّة ومتفاعلة ومرنة، تتطوّر وتستجيب للتغييرات الداخلية أو تلك التي يفرضها الواقع وحيّثيّاته، وفق قيم ومبادئ المؤسسة، سواء على مستوى السيرورة التي خضناها حتّى الآن أو على مستوى نتائج التغيير الّتي سنلمسها قريبًا. إذ يفرض هذا التغيير في إدارة القوس تحدّيات وأسئلة على مستويات عدّة لا بدّ من التعامل معها. أبرز هذه التحدّيات هي طرق نقل المعرفة التي تشكّلت على مدار سنوات من العمل وإتاحتها بشكل أفقي في المؤسسة استجابةً لتطوير الأدوار والمسؤوليات الجديدة الناتجة عن هذا التغيير. تتنوّع هذه المعرفة ما بين القيميّة والسياسيّة، وأخرى تتعلّق بتاريخ المؤسسة ومسار قضايا التعددية الجنسية والجندرية وحضورها في السنوات الأخيرة، حتّى تلك المعرفة التي تتعلّق بطرائق العمل وتكتيكاته.
بدأنا بالاستجابة للتحدّي المتعلّق بنقل المعرفة وإتاحتها منذ العام الماضي من خلال التأمّل الدائم والنقاش المستمرّ على مستوى الطاقم ومجموعات النشاط المختلفة بكيفيّة جعل قيم وفكر القوس حاضرة في الحياة اليومية للنشاط والعمل وانعكاسهما في الاستراتيجيات والرؤية. كما حاولنا الاستجابة لحاجة نقل المعرفة من خلال مشاريع عينيّة مثل: سلسلة تدريبات تتيح الفكر السياسي الكويري والنسوي لنشطاء في مناطق مختلفة، بالإضافة إلى المدرسة الأكاديمية للسياسات الجنسيّة في سياق استعماري من الألم للأمل: مواجهة المنظومة كجدوى مستمرّة التي حملت الإرث الفكري والسياسي للقوس، وأطّ رته نظريّا وأكاديميًا بمشاركة نشطاء وأكاديميين/ات وصديقات مهتمّات/ين.
سنستكمل هذه الخطوات لإتاحة وتعميم المعرفة في العام القادم من خلال مشروع كبير لتوثيق تاريخ القوس والعمل على قضايا التعددية الجنسية والجندرية في فلسطين، سيتمّ إطلاقه عام 2022 وسيشكّل حجر أساس لحفظ وإتاحة تاريخ القوس ومعرفتها وتاريخها. بالإضافة إلى مدرسة كويريّة قطريّة لقيادات القوس في مناطق فلسطين المختلفة، تراكم على المعرفة والنقاشات التي بدأنا بها في المدرسة الأكاديميّة وتعمّمها لنشطاء القوس.
من بين التحدّيات المركزيّة في هذا المسار أيضًا، المشاعر الكثيفة التي تخللته وستتخلله، وهو ما ننظر إليه في القوس كجزء طبيعي ورئيسي من عملنا بالمجمل (أنظروا: "حول سؤال المشاعر" في هذا التقرير)، ومن هذه الخطوة بالتحديد. كجزء من قيمنا وثقافتنا التنظيميّة، ندرك في القوس مركزيّة المشاعر وتأثيرها على العمل، ونعطيها اعتبارها ونتعامل معها بجديّة باعتبارها مكوّنًا ومؤثّرًا أساسيًّا في العمل.
نرى في القوس أنّ تعامُلنا بشكل سليم وواعٍ مع المشاعر سيشكّل وقودًا للعمل ومصدرًا للتطوّر ومواكبة التغييرات والتحوّلات المختلفة، ونرى أنه في لحظة تغيير كهذه قد تتولّد الكثير من المشاعر وهو أمر مألوف عند خروج أشخاص مؤثرين وبارزين في المؤسسات أو الحراكات السياسيّة المختلفة، وما ينتج عنه من تغييرات في الأدوار والسلطة والعلاقات. نسعى في الفترة القادمة إلى الإشارة لأي مشاعر أو ديناميكيّات وإن كات غير محكيّة والتعامل معها، بل ونترجم هذه المشاعر إلى أفكار ومحاور عمل ونقاش لتطوير عمل القوس.
شهد الشهر الأخير من العام الماضي لقاءات عدّة للتعامل مع للمشاعر الناتجة من هذا التغيير، على مستوى الطاقم والإدارة وقيادات القوس القطريّة، بالإضافة إلى لقاء للمؤسسات الشريكة والحلفات. لمسنا في هذه اللقاءات التي فاضت بالمشاعر الأثر الكبير للمديرة السابقة حنين معيكي في حياة المؤسسة والنشطاء والعلاقة مع الحلفاء، كما لمسنا التعطّ ش للانطلاق بروح جديدة وقيادة جديدة بثقة وحماس.
وأخيرًا، كان لزامًا علينا أن نتعامل بذكاء مع التخطيط للفترة القادمة بطريقة تتيح لنا التركيز على التغيير في قيادات القوس والاستثمار في تعزيز بنى القوس المختلفة مثل الطاقم والقيادات القطريّة والمحليّة، والتأمّل في القيم والاستراتيجيّات والفكر؛ لكن في الوقت نفسه عدم الغياب عن الشارع أو خلق فجوة في التواصل مع الجمهور والمجتمع.
تغيير في قيادات القوس مع تغييرات مجتمعيّة أكبر
يترافق التغيير في إدارة القوس مع تغييرات مجتمعية أكبر حول قضايا التعددية الجنسية والجندرية، حيث أصبحت هذه القضايا موضع رأي عام في لحظات عدّة، وطفت على السطح من خلال نقاشات مجتمعية واسعة؛ وهو الأمر الذي ساهمت القوس بشكل كبير فيه من خلال العمل على مدار السنوات الأخيرة، كما يؤثّر على عملها ودورها والتوقّعات منها مجتمعيًا.
أبرز تجليات هذه التغييرات المجتمعية كانت الوقفة التي نظّمتها القوس تحت عنوان "صرخة كويريّة للحريّة"، والتي شكّلت حدثًا مركزيًا للعام الثاني على التوالي أخذ من الحيّز العام وتحديًا الشارع مساحةً له بعد وقفة احتجاجيّة العام الماضي كانت على أثر حادثة عنف شكّلت صدى كبيرًا في الشارع الفلسطيني. من أبرز ما اتّسمت به "صرخة كويريّة للحريّة" كان الحضور الواضح والقوي لأشخاص يعيشون تجارب جنسية وجندرية مختلفة، وهو الأمر الذي يمكن تعميمه على معظم النقاشات والأحداث في العام الأخير، حيث نلمس ازديادًا ملحوظًا في الظهور والمواجهة للأصوات الكويريّة.
بالإضافة إلى التصعيد في المواجهة في إطار عمل القوس، شهد العام الأخير نقاشات مجتمعيّة واسعة حول قضايا التعددية الجنسية والجندرية احتلّت حيّزًا كبيرًا من النقاش المجتمعي في فلسطين بشكلٍ عام. نتجت هذه النقاشات لانكشاف المجتمع على هذه القضايا وعدم إمكانيّة إنكارها أو تجاهلها بعد، وهو الأمر الذي يظهر الكثير من العنف على السطّ ح، لكن بالمقابل يعطينا فرصة لتعميق هذا النقاش وتطويره لمساحة للحوار والبناء.
ليس من قبيل المصادفة مرافقة التغييرات في إدارة القوس لهذه التغييرات المجتمعية الأكبر، حيث كما ذكرنا أعلاه نرى هذه الخطوة جزءًا من العلاقة الجدليّة بين تطوّر القوس وزيادة تأثيرها مع التطوّر في التعاطي المجتمعي مع قضايا التعددية الجنسية والجندرية.
الوباء لاعبًا أساسيًا في التغييرات
شكّل الوباء لاعبًا أساسيًا في التغييرات التي عشناها في العام الأخير؛ سواء بإبراز العنف على السطح أو التغييرات التي فرضها بطرق العمل وحتم علينا إبداع استراتيجيات وطرق جديدة للتواصل والدعم والتضامن الكويري. لا شكّ أن للوباء أثرًا خاصًّا علينا كأشخاص نعيش تجارب جنسية وجندرية مختلفة على اعتبار أننا نقع في دوائر عنف مختلفة أصلًا، عمل الوباء على تكثيف أثرها أو في أحسن الأحوال إبرازها بشكل لا يمكن تجاهله.
فرض الوباء حالة من العزلة والبلبلة وعدم اليقين حتّمت علينا العودة إلى مساحات أوليّة من العنف مثل مواجهة الوحدة أو فقدان الاستقلاليّة والرجوع للاعتماد على مؤسسات مختلفة مثل العائلة، أو حرماننا من مساحات ومنافذ للتواصل الاجتماعي والتعبير والمواجهة.
نجحنا في القوس في أن نبقى بحضور وتواصل فعّال في أوقات الحجر خلال العام، واستجبنا للوضع الطارئ من خلال ابتكار طرق عمل، بل ومشاريع كاملة جديدة تتّخذ من الفضاء الرقمي مساحة أساسيّة لها؛ مثل نقل دورة تأهيل الخطّ ومجموعة شبابيّة في حيفا ومجموعة قطريّة إلى الفضاء الرقمي لصعوبة اللقاء المادّي والتجمّع، وخلق مساحات خاصّة للتعامل مع الأسئلة الآنيّة مثل ورشات "عن سؤال" الرقميّة ولقاءات "نقاشات كويريّة في المنطقة".
نستكمل التغييرات ونستجيب لها
نستكمل هذا العام المسار الذي بدأناه في تغيير قيادة القوس بشكل مدروس ومخطط له، حيث نبدأ بمسار للتخطيط الاستراتيجي للأعوام الثلاثة القادمة (2022 2024) تشترك فيه جميع مباني القوس من الطاقم ومجلس الإدارة والقيادات المحلية والقطرية، ويشمل هذا المسار بحدّ ذاته تقييمًا وفحصًا لفرضيّات العمل ووقوفًا عند الأدوار والمشاريع والاستراتيجيّات.
كما نستثمر في مباني القوس المختلفة من خلال مسار بناء وتطوير للطاقم، ومسار عمل مشترك للطاقم ومجلس الإدارة، ومسارات أخرى مخصصة للقيادات المحلية والقطريّة سيكون مركزها التخطيط الاستراتيجي وما حوله من نقاشات ووقفات.
إلا أننا لا ننسى في خضمّ هذه المسارات والتركيز على بناء دعائم المؤسسة داخليًا أنه لا مجال للتراجع في الظهور والإنتاج والتواصل المجتمعي في سياق التغييرات المجتمعية الكبيرة التي ذكرناها، وسنبقى حاضرين ومؤثّرين في المساحات المختلفة.
وأخيرًا
راكمنا في العقدين الأخيرين فكرًا وعملًا نستطيع أن نلمس أثره في المجتمع الفلسطيني بوضوح يومًا بعد آخر، وبنينا أرضيّة لمؤسسة صلبة وقادرة على التأثير ومواجهة التحدّيات، وهو ما ظهر بوضوح في لحظات الأزمات والعنف في العامين الأخيرين. مرّت القوس بالعديد من المراحل والتغييرات على مدار تاريخها، والتغيير الحالي في القيادة وما ينتج عنه هو أحد هذه المراحل، ننطلق فيه وإليه بأمل وعمل كبيرين.
نستعرض فيما يلي أبرز الإنجازات والمشاريع للقوس عام 2020، مع الأسئلة الاستراتيجيّة والتكتيكيّة التي رافقتها، وما خلفها من فكر ومبادئ موجّهة للعمل، وذلك في أربعة محاور: المواجهة على عدّة مستويات، تواصل ودعم كويري وقت الشدّة، حول سؤال المشاعر، التشبيك مع الخارج ومناهضة الاستعمار.