اصدر مركز مدى الكرمل العدد الرابع والعشرين من مجلّة جدل الالكترونية، بتحرير عرين هوّاري. يتناول المحور المركزي لهذا العدد من جدل السياسات الجنسية والجندرية بتقاطعها مع مباني قوة أخرى، وعلى نحوٍ خاص السياق الاستعماري في فلسطين. تلقي مجموعة المقالات النظر على زوايا غائبة أو مغيّبة في مناقشة المجتمع الفلسطيني لقضايا الجندر وللسياسات الاستعمارية، إذ يرفض كتّاب المقالات فصل الجنسي عن السياسي وفصلهما عن الاستعماري. يحاول أكثر من مقال في هذا العدد تفكيك العلاقة بين الممارسات الاستعمارية وتكريس الأنماط الاجتماعية القائمة المتعلقة بالجنس والجندر. وتلقي بعض المقالات الضوء على محاولات المستعمِر تصوير نفسه كالمنفتح والليبرالي وراعي الحريات الاجتماعية والجنسية، مقابل المستعمَر "المتخلّف والقامع" للنساء وللجَنسانية، أو المتحرِّش جنسيًّا. تتعرض بعض المقالات كذلك إلى الحراك السياسي والاجتماعي الفلسطيني وتعاطيه مع هذه القضايا.
يتناول المقال الأول، الذي كتبته المحامية هديل بدارنة،الأسْر السياسيّ الإسرائيليّ، الذي تراه انعكاسًا لعلاقات القوة داخل المنظومة الرأسمالية الاستعمارية، مدّعية أن علاقات القوة المجنسنة ضمن هذه المنظومة تنعكس منذ اللحظة الأولى للاعتقال. ترى بدارنة أن التعذيب الجنسي لا يأخذ حقه في مسار النضال الفلسطيني ويبقى على هامشه ويُقصى إلى الحيِّز الخاص مما يرسّخ التابوهات الجنسية ويزيد الجلاد قوة.
في المقال الثاني، تقوم بدور حسن بقراءة في قرار تشريع زواج المثليّين في الولايات المتحدة، طارحةً سياق القرار والنقاش حوله، ثم متناولةً للنقد الجذري (الراديكالي) لهذا القرار. خلال المقال، تشير حسن إلى أن التيار المركزي للحراك المثليّ في الولايات المتحدة هو جزء من منظومة الهيمنة البيضاء، وتضيف أن اختيار الحركات المثلية النضال من أجل الحق في الزواج ما هو إلا اختزال للنضال المثليّ. تتطرق الكاتبة في تحليلها كذلك إلى المجتمع العربي فتنتقد النفاق من خلال دعم قرار الولايات المتحدة والتغني به والاستمرار في قمع المثليين داخليًّا.
المقال الثالث، الذي كتبه ناشطون في مجموعة القوس، يقوم بقراءة تاريخية تحليلية لمواقف اليسار الفلسطيني داخل منظمة التحرير من القضايا الاجتماعية، ويتطرّق تطرّقًا خاصًّا إلى مواقفه من علاقات النوع الاجتماعي ومن المثليّة الجنسيّة. يدّعي المقال أنه كان للأحزاب اليسارية دور في انخراط النساء في العمل السياسي، بينما قاموا في ما يتعلق بقضية النوع الاجتماعي بالمفاضلة بين الوطني والاجتماعي لصالح التحرر الوطني من المحتلّ. يضيف الكاتبون أنه في وقت لاحق، خلال الانتفاضة الأولى، انصاعت الحركة الوطنية الفلسطينية للمخطط الإسرائيلي الذي قام بتجنيد العملاء عن طريق الإسقاط، حيث قامت الحركة الوطنيّة الفلسطينيّة، بتبنّي شعارات تفرض قواعد أخلاقيّة محافِظة قلّصت مساحة التسامح المجتمعيّ وكرّست التابوهات الداخلية.
أما المقال الرابع، الذي كتبته يارا سعدي، فيقوم بقراءة في الحملة التي قامت بها مجموعة من الطلاب الإسرائيليين في الجامعة العبرية في "جبل المشارف" من أجل التنديد بما أسموه "التحرّشات الجنسيّة وإلقاء الحجارة على السيّارات والباصات" من اتجاه العيساويّة. تنوه الكاتبة الى أنه ظاهريًا يبدو أن الحملة تتناول مواضيع "الأمان" وحقوق المواطنين في المنطقة ولكن في نظرة أكثر متعمقة للسياق الجغرافي للمكان، تظهر الكاتبة الإستراتيجيات الاستعماريّة التي اتّبعتها الحركة الصهيونيّة لبناء وتطوير الحرم الجامعي وبالمقابل لعزل وعرقلة تطوير القرى والحارات الفلسطينيّة المجاورة. تدعي الكاتبة، بناء على هذه القراءة، أن الحملة لا تتمحور حول التحرّش الجنسي أو أمان المنطقة، بل تهدف الى محو السياق السياسي والجغرافي للمكان من خلال استخدام الخطاب الحقوقي الفردي، وذلك كوسيلة للسطيرة وفرض واقع مسلوخ عن تاريخه.
المقال الخامس، الذي كتبه بالتشارُك حنين معيكي وغيث هلال، يتناول صورة المثليّ داخل المجتمع الفلسطيني، ولا سيّما دور الاستعمار في تشكيل هذه الصورة، وعلاقة هذه الصورة برُهاب المثلية داخل مجتمعنا الفلسطيني. ويقوم بذلك عن طريق التعرض لمراحل مفصلية في التاريخ الفلسطيني. يتطرق المقال كذلك إلى الحملة الدعائية الإسرائيلية التي تعرض إسرائيل كَ"جنة" المثليين في المنطقة لتبييض وجهها وتحسين صورتها من دولة استعمار إلى دولة "ليبراليّة وديمقراطيّة". يدّعي المقال أن صورة المثليّ اقترنت دائمًا بالآخر الذي عُرِّف من خلال المستعمِر وثقافته، ولكن هذه الصورة كُرّست خلال الأحداث التاريخية.
يشمل العدد كذلك مقالين خارج محور الجنسانية، ويخوضان في أسئلة متعلقة بالهُويّة القومية وبالثقافة، حيث يقوم إياد برغوثي في مقاله بتناول الحركة الثقافية داخل الخط الأخضر، مدعيًا أن هذه الحركة تعمل في سياق تتشابك فيه عدة حواجز تعيقها وتُعَثّرها. يشير المقال إلى ثلاثة منها: حاجز التمويل، الحاجز الاجتماعي العقائدي والحاجز الجغرافي السياسي. يأتي المقال في أعقاب مجموعة من الأحداث والأعمال الثقافية الفنية التي عكست تلك الحواجز.
المقال الأخير في هذا العدد، الذي كتبه عامر ابراهيم، يتناول سؤال الهُويّة القومية في الجولان المحتلّ. ويقوم بذلك من منظور يرى الهُويّة القومية هُويّة أدائية يمارسها الفرد ضمن ظروف مكانية وزمانية محددة. يدّعي الكاتب أنه رغم وجود الخطاب الوطني السوري بقوّة أمام الخطاب الكولونيالي الإسرائيلي، أنتجت الظروف اليومية الاستعمارية في الواقع حالات وجوديّة ترتكز في معظمها على خطابات وممارسات ثنائية متقاطبة يتلقّاها المحلّيّ؛ ممّا يجعل ممارسة الهُويّة القوميّة في الجولان، وأداءَها، يعتمدان بالأساس على المكان والزمان اللذَيْن تمارَس الهُويّة وتؤدّى ضمنهما، فتظهر ممارسات هُويّاتيّة معينة في أمكنة معينة، وتُحجَب في أمكنة وأزمنة أخرى.
لتحميل الملف الكامل لجميع المقالات اضغط\ي هنا