هذا النص كان بدي اكتبهفي اب 2009 من كوبنهاجن الدنمارك بس وقتها انشغلت باشياء أهم. كانت حياتي عم تتغير. بس مش عن هيك النص. كنت بكوبنهاجن في لقاء اقليمي مع ناشطين وناشطات عرب من المنطقة – كان من اوائل اللقاءات المخصصة لنقاش النشاط المثلي العربي بشكل حصري. كقسم من البرنامج, المجموعة المستضيفة – عرب ومهاجرين من الدنمارك – طلبت من الناشطين العرب ان يرافقوا وينضموا للحافلة المخصصة لهم في موكب الفخر المحلي عشان المحليين يتشجعوا لأن الموكب مخطط ان يمر في احياء يسكنها الكثير من المهاجرين العرب والمسلمين (الفرضية كانت: ان هذا الوضع حتميا سيضع المثليين العرب في خطر او في موقف غير مريح – لان العرب والمسلمين بالضرورة ستكون ردة فعلهم غير لطيفة). الدعوة لبيت بحماس كبير واغلب الاصدقاء انضموا للمسيرة, بالأخص عشان الفكرة كان فيها كثير من الجاذبية والمرح وبعدين… ليش لأ؟ وانا حسيت وقتها انه في اشي مش راكب على بعضه بالموضوع ومش زابط بس ما تعمقت كثير وفضلت استغل الهدوء الي تركوه 30 ناشط وناشطة ورائهم في الفندق الصغير.
بعد بضعة ساعات رجع الاصدقاء مع كميات لا تطاق من الادرنالين وبقايا مكياج ولا نهاية من الميجا-بايتس على شكل صور من الحدث التاريخي. الصور الملونة التي تكاد ان تبعث منها رائحة الخمرة كشفت وجوه مخبئة وراء قطع من القماش وابتسامات طائشة لا تكاد ان تُرى تحت الكميات الطائلة من المكياج على شكل الوان علم الفخر وأعلام اخرى. الصور الاكثر اثارة كانت لبعض من الاصدقاء اللي اختاروا استعمال رموز وطنية مثل الكوفية الفلسطينية واعلام دول عربية عديدة من دون ان نعرف اذا كان استعمالها عمدا او هذا ما كان متوفر في لحظتها. هذا الموقف ذكرني بالزيارات العديدة والمفاجئة في شهر ايار – حزيران من كل سنة للمارين في شارع يافا لمكتبي في الطابق الاول. كل المارين لهم نفس المنال حتى لو عن طريق اسئلة قد تتفاوت صيغتها ومباشرتها. كيف القبعة الجديدة؟ من وين بيشتروا بروكا في شارع يافا؟ فكرك اذا بحط كثير مكياج في حدا راح يعرفني؟ وين عادة الكاميرات بتكون؟… بأول الموكب ولا بآخره؟ حسب رأيك في حدا راح يعرفني هناك؟
في كلا الحالتين اعلاه مش عم نحكي عن حدا طاير من السويد لكوبنهاجن, او حدا من الطيبة رايح على الناصرة ولكن عن مواقف فيها انتقالات تحمل في طيها الكثير من الفجوات الثقافية. علاقات القوة, وصور مباشرة او غير مباشرة من الاستعمار والهيمنة . انه انتقال الشاب من شرقي القدس الي غربي القدس للاشتراك في موكب فخر يلغي معظم هوياته في رؤيته الغير سياسية التي تتجاهل الاحتلال وجدار الفصل العنصري الذي يطل عليك من كل زاوية في القدس, او الى موكب الفخر في تل ابيب – اللي بدي ثلاث مقالات عشان نبدأ نحكي عن المشاكل اللي فيه والذي اصلا مبني على قيم ورسائل “هيتيرونورماتيف” وقومية. انه انتقال لاشخاص من دول عربية فيها بعدنا عم نحاول نطور كيف نحكي عن هذه المواضيع, وامام مين كمان (خصوصا في ظل التغييرات السياسية في المنطقة) لدول غربية الي فيها كل موكب فخر صار منصة عرض لنوع واحد من المثليين وخطاب واحد عن المثلية, ومنصة استهلاك ل redbull ومنتوجات اخرى ورسائل تبعد بعد القمر عن هدفها الاول في المظاهرة العفوية في سنة 1969 من بار ستونوول, ضد سنين طويلة من القمع والعنف ضد الترانس والمثليين/ات.
اذا السؤال المركزي هو كيف ممكن لموكب الفخر – منصة الظهور والاحتفال بالتحرر للمهمشين جنسيا وجندريا – أن يتحول الى مساحة بتعيد انتاج “الخباء” من على نفس منصتها, هذه المرة تحت طائل المكياج السايح في حر حزيران تموز او اب, او مخبأ تحت البروكات الرخيصة, بواقي عيد المساخر اليهودي من اذار من نفس السنة؟ واذا كانت هذه المشاعر الاساسية التي يثيرها موكب الفخر فماذا يقول عن صلته وملائمته لواقعنا المركب, والعوامل التي من وراء اختياراتنا الشخصية عند التعامل مع اختلافنا الجنسي والجندري؟
الفخر الو معنيين – الاول مع دلالة سلبية، ويشير إلى إحساس مبالغ فيه من مكانة الفرد الشخصية أو إنجازاته، وكثيرا ما يستخدم بشكل مترادف مع الغطرسة. والمعنى الثاني بدلالة إيجابية، يشير الى الاحساس بالرضى والاكتفاء حول خيارات وأفعال الشخص نفسه أو الآخر، أو نحو مجموعة كاملة من الناس، وهو منتوج من الثناء، والتأمل الذاتي المستقل، أو الشعور بالانتماء والوفاء. في موكب الفخر عادة ما يحصل العكس وبدل من تكسير واحد من المفاهيم الاساسية في ثقافتنا “اذا بليتم فاستتروا” فهؤلاء الافراد يحملون الاستتار والخباء كمان الى موكب الفخر. هذا الفعل بعيد عن اي شعور ايجابي بالرضى والثناء او الانتماء ويدخل الفرد في دوامة سحرية لا تقترح سبيل لكسرها او الهروب منها.
يمكن انه البعض يقول انه هذه “الظاهرة” كانت شائعة اكثر قبل بضع سنوات, وانه اليوم في اكثر اشخاص بحسوا “مريح” يمشوا في مواكب الفخر الاسرائيلية (او العالمية) – اللي حسب رأيي لازم نقاطعها اصلا, وبحسوا انه بنتموا بشكل او باخر لهذا الاحتفال وحتى بيشتركوا (او بالاحرى بيتواطؤوا) في حملة للترويج للفخر التل ابيبي, وهؤلاء حسب رايي, بضلوا اقلية سواء من الناحية الايديولوجية او من ناحية ميزاتهم الاجتماعية واختياراتهم الشخصية ومساهمتهم الوحيدة في الاغلب هي تعيير الاخرين “الخائفين” والذين “تنقصهم الشجاعة” ويجب “ان يأخذوا قرارات ويعلنوا عن هويتهم”. ولكن هل موكب الفخر والظهور الجماعي هي المنصة والالية الوحيدة لضمان وضع موضوع المثلية والتعددية الجنسية والجندرية على الاجندة العامة! وكيف ممكن ان نطور اليات “ظهور” بتحتوي الاختيارات الشخصية المركبة وبدون ان ترغمنا كافراد ومجموعات على اعادة انتاج صور الخباء والتستر ومن دون تقسيم المجتمع المثلي لمن هو شجاع او جبان؟
في الاونة الاخيرة نلاحظ ازدياد عدد الفعاليات التي تستعمل اليات “ظهور” “جديدة” في حقل النشاط المثلي والكويري الفلسطيني ولكن جميعها تقع في فخ تعزيز نفس الصور النمطية لمن هو مثلي وفلسطيني, اذا كانت صورة الضحية المخبئة وراء اقنعة تطلب من المجتمع ان يتقبلها او اخرى التي تعلن ظهورها في صور تواطؤ كامل مع المؤسسة الاسرائيلية المثلية الصهيونية وتعيد اتناج معادلة “المنقذ” الاسرائيلي الي بيعطيني منصة وفقط من خلاله ممكن ان نظهر او نعرف انفسنا. مش ممكن نغير اشي اذا ضلينا نبرم في نفس المحل. الظهور اله طرق عديدة وفي عنا امكانيات هائلة نطور استراتيحيات الي عنجد بتكسر حواجز وبتفتح طرق جديدة بدل ما نضلنا نجتر شو موجود ومتوفر – مواكب الفخر كيف تعلمناها من الغرب وتل ابيب – او الشي الوحيد المزبوط.
الفخر بيفرض بالضرورة انه في خباء وبفسر كل فعل فيه “عدم ظهور” على انه خباء واختيار شخصي سلبي وجبان. محاولة تسطيح تجاربنا الانسانية في خيارات بينارية قطبية لا تساهم بالضرورة على الترويج لنضالنا وتحدي مؤسسات القمع الجنسي والجندري او التغيير الحقيقي في المستوى الشخصي والجماعي والاجتماعي. محدودية موكب الفخر نراها ايضا في محاولات تنظيم مواكب فخر راديكالية في السنوات الاخيرة بجانب مواكب الفخر المينستريم لطرح رسائل سياسية ذات صلة مع الواقع وربط النضال الجنسي المثلي مع النضال ضد الاحتلال. يصر المنظمين دعوة القوس للانضمام وحتى قيادة هذه المواكب لتماشي رسائلها السياسية مع رؤية القوس حسب نظرتهم. ردنا القصير والذي تخلل تعبير عن دعمنا لهذه المحاولات كانت في الاساس رفض للاشتراك في هذه المبادرات. نحن نرى ان دورنا سياسي راديكالي ليست له اجندة اصلاحية لا لموكب الفخر ولا لدولة اسرائيل. لا نرى بموكب الفخر حيز يلائم المجتمع المثلي الفلسطيني ونضالنا للترويج للتعددية الجنسية والجندرية او يتلائم مع التركيبة الخاصة للجنسانية في سياقنا وتاثيرها على اختيارات الفرد الشخصية حول ظهوره او عدم ظهوره.
الفخر، الظهور والخباء
اذا السؤال المركزي هو كيف ممكن لموكب الفخر – منصة الظهور والاحتفال بالتحرر للمهمشين جنسيا وجندريا – أن يتحول الى مساحة تعيد انتاج “الخباء” من على نفس منصتها