نشرت هذه المادة سابقاً في صحيفة المدينةبتاريخ 5 آذار 2021.
في خضمّ النقاشات الحاصلة في الفترة الأخيرة حول قضايا المثليين، سألنا عمر الخطيب المتحدّث الإعلامي لمؤسسة القوس للتعددية الجنسية والجندرية حول رؤيتها وتحليلها للنقاشات الحاصلة كمؤسسة مناهضة للأبوية والاستعمار والرأسماليّة.
إلى ماذا يشير تصاعد النقاشات حول قضايا المثليين في المجتمع الفلسطيني، وما هو معناه؟
لا شكّ أننا مررنا في العامين الأخيرين تحوّلًا كبيرًا في تعامل المجتمع الفلسطيني مع قضايا التعددية الجنسيّة والجندريّة. لم يعد بالإمكان تجاهل هذه القضايا أو التعامل معنا على أننا غير موجودين. جاءت هذه التحوّلات نتيجة للجهود الكبيرة لمؤسسات وأشخاص ناضلوا لسنوات للظهور والتغيير ووضع هذه القضايا على الطاولة، ودفعنا لذلك أثمان كبيرة في الكثير من الأحيان. نظّمنا في القوس مثلًا في العامين الأخيرين وقفتين في شوارع مدينة حيفا، وواجهنا منع وملاحقة من السلطة الفلسطينيّة في الضفة، وغيرها من الخطوات التاريخيّة التي خلقت واقعًا جديدًا.
هاك تغيير كبير نلمسه يوميًا بخصوص قضايانا. نرى توسّع النقاش بشكل مستمرّ في مساحات لم تكن مألوفة قبل سنوات. مساحات تربويّة وفنيّة وإعلاميّة وسياسيّة وغيرها. إلا أنه على الرغم من التغييرات الكبيرة، ما زال أمامنا الكثير لمجتمع أكثر احتواءًا وأقل عنفًا وإقصاءً. فرغم توسّع هذه النقاشات إلا أن السمة الغالبة لها ما زالت -للأسف- العنف والبلبلة، ولنا في النقاشات الحاصلة مؤخرًا في المشهد السياسي الحزبي خير مثال على ذلك.
هل تفيد النقاشات السياسيّة الأخيرة المثليين الفلسطينيين؟
يسعدنا توسيع النقاش حول قضايا التعددية الجنسية والجندرية في المجتمع، وندرك الأثر الكبير للقيادات والأحزاب عليه. إلا أنه مما لا شكّ فيه أن منحى وطريقة تعامل السياسيين والأحزاب عنيفة وإقصائيّة، حيث يتمّ تحويلنا وتحويل أجسادنا وتجاربنا ل"موضوع" وأداة للمناكفة وتحقيق المصالح والدعاية الإعلاميّة.
تتجلّى في النقاشات الحاصلة مؤخرًا (إن صحّت تسميتها نقاشات) أشكال مختلفة من العنف مثل محونا وتهميش أصواتنا وكأننا لسنا جزءًا من المعادلة أصلًا (مثال بسيط أن جميع المساحات الإعلامية للساسة وليس لنا)، وحتّى التحريض المباشر والفظّ علينا وعلى حيواتنا.
وعدا عن مضمون وطريقة الجدل الحاصل، من المؤسف لنا أصلًا أن جزء كبير من النقاشات الحاصلة مؤخرًا مدفوعة من الانخراط في إحدى المؤسسات الاستعماريّة (الكنيست)، وهذا يجعلنا -على الرغم من رغبتنا في الانخراط في النقاش الدائر- حذرين من إعطاء شرعيّة لهذه المؤسسة وجرّنا لدوائر نقاش تعيد إنتاج الأبويّة والهيمنة الاستعماريّة.
ماذا عن الأحزاب والسياسيين الداعمين لقضايا المثليين والذين صوّتوا مع القوانين الجديدة؟
من أهمّ مبادئنا في القوس أن يكون نقاشنا المجتمعي الفلسطيني حول قضايا التعددية الجنسية والجندرية غير خاضع للثنائيّات. نسعى لتكسير القطبيّة التي تقسّم الناس إلى "أصدقاء للمثليين" وآخرين "هوموفوبيك"، بل نريد تفكيك المفاهيم المغلوطة والممارسات العنيفة في جميع مكوّنات المجتمع. ومن هنا، نرفض التعامل مع أحزاب سياسيّة على أنها "تقدمية ومتنوّرة" مقابل أخرى "رجعية ومتخلّفة"؛ فلا يخدمنا هذا في شيء، بل يعيد إنتاج اصطفافات اجتماعيّة حادّة غير بنّاءة ولا تغيّر من واقعنا.
عدا عن ذلك، نلاحظ أن الغالبية العظمى من مواقف الأحزاب والسياسيين ليست صادقة أو متماسكة، وفي العادة تكون قضايا التعددية الجنسية والجندرية مجرّد أدوات للمناكفة بينهم، أو موجات من المغري ركوبها لتحقيق مصالح شعبويّة. على سبيل المثال، صوّتت الحركة العربيّة للتغيير لصالح قانون تجريم "العلاج الإصلاحي"، إلا أن رئيس الحركة أحمد الطيبي لا ينفك من حينها تبرير موقف الحركة وإثبات أنه لا يدعم المثليين. وفي الجبهة نسمع تصريحات متناقضة من داخل الحزب نفسه، أما التجمع فاختار الانسحاب من النقاش وبالكاد نسمع أي موقف أو تصريح، وفي الحركة الإسلاميّة نرى تصريحات ومواقف مختلفة ما بين الإعلام العبري والعربي.
كل هذا يدفعنا للتشكيك في صدقيّة المواقف المختلفة، ويجعلنا نتوقّف قبل التصفيق لأي جهة أو محاكمة أخرى. بل بالمقابل نرى دورنا هو تسمية هذا العنف، ونقل النقاش لمساحات أكثر عمقًا وصدقًا، ومركزة أصواتنا كأشخاص نعيش تجارب جنسيّة وجندريّة مختلفة.